الإدمان وأثره على الفرد
والمجتمع
خطبة من إعداد الشيخ أحمد
إبراهيم عبد الرءوف
الخطبة الأولى
إنَّ
الحمدَ لله ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ،
وسيئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِهِ الله فلا مضلَّ لهُ ، ومَنْ يضلِلْ فلا هاديَ لهُ
، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ
ورسولُهُ ..
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل
عمران : 103
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } النساء : 1
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا
* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } الأحزاب
: 70 ، 71
أما بعدُ .. فإنَّ أصدَقَ
الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم –
وشرَّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلَّ محدَثَةٍ بدعةٍ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ ، وكلَّ
ضلالَةٍ في النَّارِ ، ثم أما بعدُ فيا أيها الإخوة المسلمونَ ..
فكلمة الإدمان في الأصل تطلق على دوام ملازمة
الشيء ومعاودة فعله وتكراره ..
وإدمان العمل الصالح ليس أمراً مذموماً .. بل
إن النبي – صلى الله عليه وسلم –
قد قال : (( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل
)) متفق عليه .
وقد عقد الإمام البيهقي فصلاً في كتاب شعب الإيمان سماه : فصل في إدمان تلاوة القرآن
..
فإدمان الأعمال الصالحة ليس أمراً مذموماً ،
بل هو أمر مطلوب محمود ، لأنها أعمال تسمو بالنفس وتجلب لها السعادة في الدنيا والآخرة
، يكون الإنسان بإدمانها حر الإرادة لا ينكسر لأحد ولا يذل لأحد ولا يعبد أحداً من
البشر ، وإنما يكون عبداً للإله الخالق المستحق للعبادة وحده ..
أما الإدمان المذموم فهو إدمان الأعمال والعادات
السيئة التي تستعبد الجسم والعقل ، تجعله عبداً لها ، يلهث وراءها ، تتمكن منه حتى
يصعب عليه أن يتخلص منها أو يدور بعقله بعيداً عن فلكها ..
وقد جاء في الخبر قصة هذا الفتى الشاب الذي تمكنت
منه الرغبة في الزنا وملأت عليه حواسه حتى جعلته يتوهم أن الشرع يمكن أن يترك الباب
مفتوحاً له بصفة خاصة لتمكن العادة منه ، فذهب بكل جرأة يقول للنبي – صلى
الله عليه وسلم – : يا رسول الله ائذن لي في الزنا ! رواه أحمد والبيهقي والطبراني
وذلك الرجل الذي جلد في الخمر أكثر من مرة في
عهد النبي – صلى الله عليه وسلم –
حتى لعنه رجل من القوم وقال : ما أكثر ما يؤتى به ! رواه البخاري
وفي عصرنا هذا الذي نعيش فيه اشتهر إطلاق لفظ
الإدمان ليدل على حال الشخص الذي يتناول المسكرات أو المخدرات ..
والإدمان بهذا المفهوم المشتهر به في عصرنا هذا
مشكلة تهدد الوجود البشري كله ، داء خطير ، وبلا مستطير ، ما نشأ في قوم فسكتوا عن
إنكاره ومحاربته إلا وكانت النهاية إلى الانحدار والانهيار ..
إن هناك نوعاً جديداً من الحرب ، لا يستعمل فيها
صواريخ ولا طائرات ، وإنما هي حرب العقول المسممة ، والأجساد المدمرة ..
لقد تفنن المجرمون من شياطين الإنس في نشر تلك
المخدرات والمسكرات بشتى الصور ، ومختلف المسميات ، حتى صار حملها وتناولها والحصول
عليها أمراً في غاية السهولة على الصغار قبل الكبار ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
صداقات وعلاقات مزقت ، أسر وعائلات شتت ، والد
يشكو ، وأم تبكي ، وزوجة حيرى ، وأولاد تائهون في ضيعة كبرى ، فإلى الله وحده الشكوى
..
لقد كان انتشار المسكرات سمة من سمات الجاهلية
قديماً ، وكان ذلك من مفاخرهم ، كانوا يشربون الخمر كالماء أو ربما أكثر من الماء ،
فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم –
ليهدي الناس إلى فطرة الله التي فطرهم عليها ، لما أسري به – صلى
الله عليه وسلم – أُتِيَ بإناءين في أحدهما لبن ، وفي الآخر
خمر ، قيل : خذ أيهما شئت ، فأخذ اللبن فشرب ، فقيل له : أصبت الفطرة ، أما إنك لو
أخذت الخمر غوت أمتك . متفق
عليه .
لقد جاء النبي – صلى
الله عليه وسلم – فحرم كل مسكر يذهب العقل ويغيبه ويضر به ،
فالتحريم ليس قاصراً على الخمر المتخذة من العنب أو التمر فقط ، فقال – صلى
الله عليه وسلم – : (( كل
مسكر خمر وكل خمر حرام )) رواه مسلم
هذا هو المقصود بالخمر في عرف الشرع ، فهناك
عدد من الأطعمة أو الأشربة أو غيرها مما يستنشق ويشم يذهب العقل ويحل بالإنسان السكر
، فكلها داخلة تحت هذا التحريم ، حتى لو غير الناس اسم الخمر وسموه بتسميات حديثة غير
اسمه يبقى هذا التحريم واقعاً على عين المسمى ما دام مسكراً ..
وقد تنبأ النبي – صلى
الله عليه وسلم – بهذا فقال : (( ليشربن
ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها
)) رواه أبو
داوود وهذا واقع مشاهد وصدق رسول الله – صلى
الله عليه وسلم – ، سميت الخمر بالمشروبات الروحية ، وغيرها
من المسميات الأجنبية !
فكل ما كان مسكراً مضراً بالعقل مخلاً به فهو
يسمى خمراً ، وهو حرام ، الخمر المتخذ من عصير العنب أو التمر ، الحشيشة ، البانجو
، الأفيون ، العقاقير الطبية .... كل هذا حرام وعلة التحريم فيه واحدة وهي الإسكار
وإذهاب العقل والإخلال به وتغييبه ، والقليل منه والكثير سواء في التحريم ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما
أسكر كثيره فقليله حرام )) رواه أبو داود .
فالخمر حرمها الله عز وجل ، ومن حكمته سبحانه
أن كان تحريمها تدريجياً ولم تحرم قطعاً مرة واحدة لصعوبة ذلك على الناس وقتئذ ، فكان
أول ما نزل في شأن الخمر قول الله تعالى { يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }
البقرة : 219 فبين
الله أن في الخمر والميسر إثماً يغلب على ما فيهما من نفع ، ولم يحرمهما ، وإنما ترك
الأمر بعد أن بين لذوي العقول السليمة أن الشر يفوق الخير فيهما ، وكان من هؤلاء الفاروق
الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً
..
وقد كان بعضهم ينتهي عن شرب الخمر لما يجد من
سوء عاقبة لشربها .. أحدهم في الجاهلية اعتدى على ابنته وشتم والديه وأعطى الخمار مالاً
كثيراً فلما أفاق وأخبروه بما فعل ؛ حرم على نفسه شربها وامتنع عنها ..
حتى كان يوم دعا عبد الرحمن بن عوف بعض أصحابه
إلى طعام ثم سقاهم الخمر فأخذت الخمر منهم ، وحضرت الصلاة فقدموا أحدهم إماماً فقرأ
سورة الكافرون فخلط فيها وقال : قل يا أيها الكافرون ، أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد
ما تعبدون رواه
الترمذي ، فأنزل الله عز وجل قوله { يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا
مَا تَقُولُونَ } النساء : 43 فكانوا
لا يشربون الخمر في وقت الصلاة ، وبعضهم امتنع عن شرب الخمر نهائياً في وقت الصلاة
وفي غير وقت الصلاة ، ولم يزل الفاروق الملهم عمر رضي الله عنه يقول : اللهم بين لنا
في الخمر بياناً شافياً ..
وظل الأمر هكذا حتى كان يوم ، مر سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا : تعال نطعمك ونسقك خمراً
، فأتاهم سعد في حَشٍّ - أي بستان - فإذا رأس جزور مشوي عندهم ، وزقٌ من خمر ، فأكل
وشرب معهم ، فلما أخذت الخمر منهم ذكر الأنصار والمهاجرين عندهم فقال : المهاجرون خير
من الأنصار فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربه به ، فجرح بأنفه رواه مسلم
وفي يوم آخر في مجلس لقبيلتين من قبائل الأنصار
، شربوا الخمر حتى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعض وأخذ بعضهم يضرب بعضاً في حالة الثمالة
، فلما صحوا وأفاقوا .. جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته .. فيقول : قد فعل
بي هذا أخي - وكانوا إخوة ليس بينهم ضغائن – فيقول : قد فعل بي هذا أخي ، والله لو
كان رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا ! فوقعت في قلوبهم الضغائن رواه النسائي ،
وهذا ما يريده الشيطان .. أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدهم
عن ذكر الله وعن الصلاة ..
حتى كان يوم قام النبي – صلى
الله عليه وسلم – خطيباً فقال : (( يا
أيها الناس ، إن الله تعالى يُعَرِّضُ بالخمر ، ولعل الله سينزل فيها أمراً ، فمن كان
عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به )) ... فما لبث الناس إلا
يسيراً حتى قال النبي – صلى الله عليه وسلم –
: (( إن الله تعالى حرم الخمر ))
رواه مسلم ثم
تلا آية المائدة التي توجهت بالنداء من الرحمن إلى أهل الإيمان .. { يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } المائدة 90 : 92
.. نداء صريح لأهل الإيمان ، يا أيها الذين آمنوا ، فقال المؤمنون وقال الفاروق الملهم
عمر : انتهينا ربنا انتهينا ربنا رواه أحمد .
فقال النبي – صلى
الله عليه وسلم – : (( إن
الله تعالى حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع
)) رواه مسلم ..
فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم ،
فلان قتل في بدر وهي في بطنه ، وفلان قتل في أحد وهي في بطنه وقد جعلها الله رجساً
! متفق عليه
فأنزل الله قوله { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
المائدة : 93
أي : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
جُناحٌ أي : حرج أو إثم فِيما طَعِمُوا أي : فيما تناولوه من خمر أو ما يشبهها من محرمات
قبل أن يحرمها الله- تعالى- وكذلك لا إثم ولا حرج على من مات قبل التحريم .
لقد جاء التعبير عن تحريم الخمر في القرآن بقوله
تعالى { فاجتنبوه } للمبالغة في الأمر بتركه ، فلم يقل فاتركوه وحسب ، بل قال فاجتنبوه
، أي كونوا أنتم في جانب وهو في جانب ، فلا تخالطوا شاربيها ولا تَغْشَوْا مجالسها
..
وقد بين النبي – صلى
الله عليه وسلم – أن اللعنة واقعة بكل من امتدت يده لها على سبيل احترامها
لا إهانتها وإراقتها فقال – صلى الله عليه وسلم –
:
(( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها
وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه
)) رواه أبو داود
إن من أشر الأحوال حال شارب الخمر ، تحل عليه
اللعنة فيطرد ويبعد عن رحمة الله ، ويكون حين يشرب الخمر منزوع الإيمان يسقط الإيمان
من قلبه .. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم –
: (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق
السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ))
متفق عليه فكيف
لو مات على هذه الحال والعياذ بالله ؟ وقد رأينا ذلك وشاهدناه فلنتعظ ، نسأل الله تعالى
العفو والعافية .
أخرج النَّسائي، وابن حبان في صحيحه أن عثمان
- رضي الله عنه - قام خطيبًا ، فقال : أيها الناس ، اتَّقوا الخمر ؛ فإنها أمُّ الخبائث
، وإنَّ رجلاً كان ممن كان قبلكم من العُبَّاد ، كان يختلف إلى المسجد ، فلقيته امرأة
سوء ، فأمرتْ جاريتها فأدخلته المنزل ، فأغلقت الباب ، وعندها باطية من خمرٍ ، وعندها
صبيٌّ ، فقالت له : لا تفارقني حتى تشربَ كأسًا من هذا الخمر ، أو تواقعني ، أو تقتل
الصبي ، وإلا صحتُ – يعني : صرخْتُ – وقلْتُ : دخل عليَّ في بيتي ، فمَن الذي يُصَدِّقُك
؟! فضعف الرجلُ عند ذلك ، وقال : أما الفاحشة فلا آتيها ، وأما النفسُ فلا أقتلها ،
فشربَ كأسًا من الخمر ، فقال : زيديني فزادَتْه ، فوالله ما برح حتى واقَعَ المرأةَ
، وقتلَ الصبيَّ ، قال عثمان - رضي الله عنه - : فاجتنبوها ؛ فإنها أمُّ الخبائث ،
وإنه والله لا يجتمع الإيمانُ والخمر في قلْب رجل ، إلا يوشك أحدهما أن يذهبَ بالآخر
.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، له الحمد الحسن ، والثناء الجميل ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحد لا شريك له ، يقول الحق وهو يهدي السبيل ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
لما نزلت الآية بالتحريم القطعي للخمر ، قال
الصحابة انتهينا يا رب انتهينا يا رب ، وهنا انتهت علاقة المؤمنين بالخمر ، وضربوا
مثالاً لأسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأمر الله فألقوا ما عندهم من الخمر في طرقات
المدينة ، بل وحطموا الأواني التي كانت توضع فيها الخمر ..
كان أنس رضي الله عنه ساقي القوم في منزل أبي
طلحة فبينما هو يدير الكأس عليهم ، سمعوا منادياً ينادي : إن الخمر قد حرمت ، فقال
أبو طلحة : قم يا أنس فأهرقها ، يقول أنس : فما دخل علينا داخل ولا خرج حتى أهرقنا
الشراب وكسرنا القلال وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا .. ثم خرجنا إلى المسجد وإذا رسول –
صلى الله عليه وسلم –
الله يقرأ الآية ....
إنه التسليم والإذعان والقبول لأمر الله تبارك
وتعالى ، لم يقل أحد دعونا نذهب ونتأكد ، لم يقل أحد دعونا نقتنع أولاً ، دعونا نعرض
الأمر على العقل ، لا .. وإنما مباشرة : انتهينا يا رب ... هكذا كان أصحاب النبي –
صلى الله عليه وسلم –
..
لما كانت جماعة تصلي العصر فمر بهم رجل يقول
أشهد أني صليت العصر مع رسول الله العصر تجاه الكعبة .. فتحول القوم وهم في الصلاة
تجاه الكعبة مباشرة ..
لما نزلت آية الحجاب .. خرجت نساء الصحابة كأن
على رءوسهن الغربان من الأكسية ..
{ وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب : 36
{ فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
النساء : 65
لقد كان أقوام يزعمون أنهم مؤمنون مطيعون ، وهم
في الحقيقة لا يذعنون ولا يطيعون إلا فيما يوافق أهواءهم ، فأنزل الله فيهم { وَيَقُولُونَ
آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ
يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ
أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا
إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ
اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } النور 47 : 52
الله عز وجل حكيم خبير .. هو أعلم بمن خلق وهو
اللطيف الخبير سبحانه .
عباد الله .. إن الإدمان المذموم إدمان ما يضر
بالجسد ، كالدخان والشيشة ونحو ذلك ، فهذه الأشياء تضر بالجسد ضرراً بالغاً ، بالإضافة
إلى خبثها وقبحها ، حتى ولو تطورت تسميتها وسميت بأسماء جذابة تنفي عن شاربها الشعور
بخبثها ، ولو كانت لها نكهات بالتفاح والقهوة ووو ...
الدخان والشيشة محرمان ..
-
لكونهما
يضران بصحة الإنسان ضرراً جسيما ؛ بل لا فائدة قط منهما ، والله يقول { وَلَا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } البقرة : 195 ويقول
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } النساء : 29 والنبي
– صلى الله عليه وسلم –
يقول (( لا ضرر ولا ضرار
))
-
ولكونهما
خبيثان لا تطاق حتى رائحتهما والنبي – صلى الله عليه وسلم –
جاء محرماً لكل خبيث ، قال عنه الله تعالى
{ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } الأعراف : 157
-
ولكونهما
يجعلان شاربهما من المبذرين الذين هم إخوان الشياطين قال الله تعالى { إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا
} الإسراء : 27 أموال
طائلة تنفق على التدخين .. ! لو أنفقت في سبيل الله لسد حاجات الفقراء والمساكين
والمحتاجين .. لو أنفقها منفقوها على الحج أو العمرة .. لكان خيراً لهم ..
أحد المدخنين حسب ما أنفق
على التدخين طيلة حياته فوجد أنه كان بإمكانه أن يحج أربع مرات على الأقل بالمال
الذي أنفقه على التدخين !
أكثر من عشرين مليار
جنيهاً مصرياً ينفقها المدخنون المصريون سنوياً على التدخين !
آهٍ لو رشدت هذه الأموال
وأنفقت في صالح الفرد والجماعة والوطن ..
هذا نوع من الإدمان المذموم .. وهناك الكثير
من الأمور التي إدمانها مذموم .. كالغيبة والنميمة والرشوة وووو فلنقلع عنها ولندمن
الإدمان المحمود .. إدمان الطاعة .. إدمان العبودية لله .. إدمان ذكر الله .. إدمان
تلاوة القرآن وتدبره وسماعه ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق