الاثنين، 7 سبتمبر 2015

الأشهر الحرم



الأشهر الحرم
إعداد الشيخ أحمد إبراهيم عبد الرءوف
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ، وسيئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِهِ الله فلا مضلَّ لهُ ، ومَنْ يضلِلْ فلا هاديَ لهُ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ..
 [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ] آل عمران : 103
 
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ] النساء : 1
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ] الأحزاب : 70 ، 71

 أما بعدُ .. فإنَّ أصدَقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وشرَّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلَّ محدَثَةٍ بدعةٍ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ ، وكلَّ ضلالَةٍ في النَّارِ ، ثم أما بعدُ أيها المسلمونَ ..

يقول الله عز وجل { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } التوبة 36 : 37
عدد شهور السنة في حكم الله عز وجل وقضائه اثنا عشر شهراً ، وهي الشهور القمرية التي يدور عليها فلك الأحكام الشرعية ، وبها يعتد المسلمون في عبادتهم وأعيادهم وسائر أمورهم ..
هذا أمر ثابت في حكم الله ، ومكتوب في اللوح المحفوظ ، منذ أن أوجد الله هذا العالم وخلق السماوات والأرض ..
فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور ، والتزام أحكامها وعدم انتهاك حرمة المحرم منها .
وقد أجمع العلماء على أن المراد بالأشهر الحرم : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ..
وذلك ما بينه رسول الله  صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع حيث قال : (( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم . ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان )) متفق عليه .
وسماه النبي – صلى الله عليه وسلم – رجب مضر ، لأن بنى ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً ، وكانت قبيلة مضر تحرم رجباً نفسه ، لذا قال – صلى الله عليه وسلم – فيه (( ورجب مضر )) وزاد النبي صلى الله عليه وسلم  في البيان فذكر موضعه بين الشهور فقال : (( الذي بين جمادى وشعبان ))
وقد كان العرب في الجاهلية يعظمون هذه الأشهر الحرم ، ويحرمون القتال فيها ، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه في شهر من الأشهر الحرم لم يهجه .. مجرد الهجاء بالكلام كانوا يمتنعون عنه تعظيماً لهذه الأشهر ..
لكنهم فعلوا فعلاً عظيماً ، فقد كانوا أصحاب حروب وغارات ، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة ، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر ، وهذا هو النسيء – أي التأخير – الذي قال الله عنه { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } ..
كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يُغِيرون فيها ولا يحاربون ، حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم فكانوا يحرمون من شتى شهور العام أربعة أشهر ، وذلك قوله تعالى { لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ } أي ليوافقوا العدد المحرم ولا يخالفوه ، وهو أربعة أشهر ؛ بينما هم قد خالفوا التخصيص والتعيين الذي شرعه الله ، وهكذا يزين الشيطان للإنسان تحليل ما حرم الله ، فازدادوا بهذا كفراً على كفرهم ؛ حيث أحلوا ما حرم الله ، والله عز وجل واحد لا شريك له ، ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون ..
قال تعالى { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } التوبة 37
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة : ثلاثة سرد ، وواحد فرد ، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة ، فحرم قبل الحج شهرا وهو ذو القعدة ؛ يقعدون فيه عن القتال ، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ، ويشتغلون بأداء المناسك ، وحرم بعده شهرا آخر هو المحرم ، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا .
فهذا الدين العظيم إذاً يحرم الظلم والعدوان والقتال في أربعة أشهر من العام .. دين الإسلام .. دين السلام والأمان ، يحرم القتال في ثلث العام ولا يجعل للقتال مبررًا في هذه الأيام إلا رد العدوان ، أما ما دون ذلك فلا يجوز للمسلمين بدء القتال .
ولم يثبت عن رسول الله أنه ابتدأ أحداً بقتال في شهر حرام .. وإنما الثابت أن أعداء المسلمين هم الذين ابتدؤوا القتال فيها فكان موقف المسلمين هو الدفاع عن أنفسهم ..
لقد عظم الإسلام الدم ، وجعل سافكه مرتكبًا لإثم كبير ، وفي هذه الأشهر الحرم تتضاعف تلك الجريمة ..
إنها رسالة للعالم وللإنسانية أن هذا الدين دين سلم وسلام ، وأمن وأمان . فهلاَّ فقهت البشرية وانتبه عقلاء العالم إلى هذا الدين العظيم !!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، له الحمد الحسن ، والثناء الجميل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له ، يقول الحق وهو يهدي السبيل ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون ..
نهى الله عز وجل عن ظلم النفس في هذه الأشهر ، والنهي عن الظلم إنما هو في كل وقت وحين ، لكنه يتأكد ويزداد تشديداً في هذه الأشهر الحرم ، فالظلم فيها أشد وأعظم من الظلم في غيرها ، وكذلك الطاعة فيها أعظم من الطاعة في غيرها ..  
{ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } .. أي لا يظلم أحدكم نفسه ، ولا يظلم غيره ..
فاحذر عبد الله من ظلم النفس في هذه الأشهر الحرم ، احذر أن تورد نفسك المهالك وأن توقعها في معصية الله تعالى ، احذر أن تغير وتبدل في شرع الله متبعاً لهواك ، فتحل ما حرم الله ..
واحذر أن تظلم غيرك من عباد الله  ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، يقول الله تعالى في الحديث القدسي (( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا )) رواه مسلم .
وتزود بتقوى الله عز وجل وقف عند حدوده وعظم شعائره سبحانه .. فقد ختم الله عز وجل الآية بقوله { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } وإن من أعظم التقوى تعظيم شعائر الله سبحانه { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج : 32
جعلني الله وإياكم من المتقين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
كلمة بعد الصلاة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ..
قال الله عز وجل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة 217
هذه الآية لها مناسبة ، وهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث نفراً من أصحابه على رأسهم عبد الله بن جحش ليرصدوا عيراً لقريش ، وقد كانت قريش تصد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه عن زيارة البيت الحرام ، بل قد أخرجوهم من قبل وطردوهم من مكة ، وأخذوا أموالهم وديارهم ، فأغار عبد الله بن جحش ومن معه على تلك القافلة في أول ليلة من رجب ، وقد ظنوها آخر ليلة من جمادى ، أي أنهم لم يقصدوا القتال في الشهر الحرام ؛ فكان إقدامهم على القتال في تلك الليلة الأولى من رجب على سبيل الخطأ وليس العمد ..
فقالت قريش : قد استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام ، فجاءوا يسألون النبي – صلى الله عليه وسلم – على سبيل التعيير له ولأصحابه .. { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } فكان الجواب الغير متوقع لهم تبكيتاً وتوبيخاً لهم { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } هم توقعوا أن تكون الإجابة بالتبرير لما حدث من هؤلاء الصحابة وإباحة ما فعلوه ، فيثيروا الشبهات حول الإسلام والمسلمين ، لكن الإجابة جاءت على غير توقعهم بأن القتال في الشهر الحرام أمر كبير مستنكر ، وذنب عظيم مستقبح ..
لكن هنا مسألة لغوية تبين أن الله عز وجل لم يؤاخذ هؤلاء الصحابة بخطئهم ، وأن المقصود بقوله { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ليس القتال الذي وقع من هؤلاء الصحابة على سبيل الخطأ ، وإنما المراد عموم القتال المتعمد في الشهر الحرام ..
فقواعد اللغة تقول أن اللفظ إذا تكرر مرتين في السياق ، وكان نكرة في المرتين ، كان المراد بالثاني غير الأول ، فإذا كان المراد بالثاني هو الأول فلا بد من أن يكون الثاني معرفاً ..
مثل { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ...... } فهنا المراد بالزجاجة الثانية هو نفس الزجاجة الأولى .. فالكلام هنا عن زجاجة واحدة .. ولو جاءت الثانية نكرة لكان المقصود زجاجة أخرى غير الأولى .
مثال آخر { كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } فالمراد بالرسول المذكور ثانياً هو نفس المذكور أولاً وهو موسى عليه السلام .. ولو جاءت الثانية نكرة لكان المقصود رسولاً آخر غير الأول وهكذا ..
فهنا نرجع إلى الآية التي معنا { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } هم يسألون عن قتال معين ؛ وهو القتال الذي وقع من هؤلاء الصحابة خطئاً ، وجاء الجواب بصيغة النكرة { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } فالقتال المذكور في الجواب أنه كبير ومستنكر ليس المراد به القتال المسئول عنه وإلا لقال ( قل القتال فيه كبير ) ..
وفي هذا تنبيه لهؤلاء المشركين على أن القتال الذي يكون كبيراً ليس هو القتال الذي سألتم عنه ، فهذا وقع خطئاً ، وإنما القتال الكبير المستنكر المستقبح هو المتعمد في الشهر الحرام ، والذي يكون لنصرة الباطل وتقويته .
ثم أخذ القرآن يعدد على المشركين جرائمهم التي كل جريمة منها أكبر من القتال في الشهر الحرام الذي فعله المؤمنون لدفع الضرر عن أنفسهم أو لجهلهم بالميقات فقال تعالى { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ }
فأول هذه الجرائم : { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي : منع من يريد الإسلام من دخوله ، وابتدأ- سبحانه- ببيان صدهم عن سبيله للإشارة إلى أنهم يعاندون الحق في ذاته .
وثانيها قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ } أي : كفر بالله- تعالى- وهو معطوف على ما قبله .
وثالثها قوله : { وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ } وهو معطوف على سبيل الله أي : وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام بمنعهم المؤمنين من الحج والاعتمار .
ورابعها قوله : { وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } أي : وإخراج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه من مستقرهم حول المسجد الحرام بمكة وهم القائمون بحقوقه ..
كل ذلك « أكبر » جرما ، وأعظم إثما « عند الله » من القتال في الشهر الحرام .
ثم أضاف- سبحانه - إلى جرائمهم السابقة جريمة خامسة فقال : { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أي : ما فعله المشركون من إنزال الشدائد بالمؤمنين ، تارة بإلقاء الشبهات ، وتارة بالتعذيب ، ليحملوهم على ترك عقيدتهم ، أكبر إثما من القتل في الشهر الحرام ، لأن الفتنة عن الدين تفضى إلى القتل الكثير في الدنيا وإلى استحقاق العذاب الدائم في الآخرة .
إذاً .. عندما يقرأ القارئ هذه الآية يقف هكذا :
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ
وقوله - تعالى- : { وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا } بيان لشدة عداوة الكفار للمؤمنين ودوامها.
أي: ولا يزال المشركون يقاتلونكم أيها المؤمنون ويضمرون لكم السوء ويداومون على إيذائكم لكي يرجعوكم عن دين الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وقدروا عليه .
ثم بين – سبحانه - سوء عاقبة من يرتد عن الإسلام فقال : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ، فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } .
أي : ومن يرتدد منكم عن دين الإسلام ، فيمت وهو كافر دون أن يعود إلى الإيمان ، فأولئك الذين ارتدوا وماتوا على الكفر بطلت جميع أعمالهم الصالحة ، وصارت غير نافعة لهم لا في الدنيا بسبب انسلاخهم عن جماعة المسلمين ، ولا في الآخرة بسبب ردتهم وموتهم على الكفر ، وأولئك الذين هذا شأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا أبديا كسائر الكفرة ، ولا يغنى عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئا .
نسأل الله السلامة والعفو والعافية والثبات على الدين آمين .
أقول ما تسمعون وأستغر الله لي ولكم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق