كلامك عنوانك
خطبة من إعداد الشيخ أحمد
إبراهيم عبد الرءوف
الخطبة الأولى
إنَّ
الحمدَ لله ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ،
وسيئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِهِ الله فلا مضلَّ لهُ ، ومَنْ يضلِلْ فلا هاديَ لهُ
، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ
ورسولُهُ ..
[ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ] آل
عمران : 103
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ] النساء : 1
[
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا
* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ] الأحزاب
: 70 ، 71
أما بعدُ .. فإنَّ أصدَقَ
الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم –
وشرَّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلَّ محدَثَةٍ بدعةٍ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ ، وكلَّ
ضلالَةٍ في النَّارِ ، ثم أما بعدُ أيها المسلمونَ ..
الكلمة
أيها الإخوة .. وما أدراكم ما الكلمة ؟؟ ..
الكلمة
هي تلك الحروف والأصوات
، التي تنطق بها الألسن
، وتتحرك بها الشفاه
، لكنها كلمة وكلمة ، فكم من كلمة أفرحت ، وأخرى أحزنت ، وكم من
كلمة فرقت ، وأخرى جمعت ، وكم من كلمة أقامت ، وغيرها هدمت ، وكم من كلمة أضحكت ،
وأخرى أبكت ..
الكلمة
لا تنطق نطقاً صحيحاً سليماً إلا بوجود لسان وشفتين ، فاللسان لا ينطق نطقاً
صحيحاً بدون الشفتين ، والشفتان لا تنطقان نطقاً صحيحاً بدون اللسان ، لذلك ذكَّر
الله عز وجل عباده بمنته عليهم بخلق وسيلة الكلمة ، فقال جل وعلا [ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ
عَيْنَيْنِ * وَلِسَانَاً وَّشَفَتَيْنِ ] البلد : 8 ، 9
اللسان
.. هذا المخلوق الصغير ، نعمة عظيمة من نعم الله تبارك وتعالى ، صغير حجمه ، عظيم
طاعته وجرمه ؛ إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادته ، فبهذا المخلوق الصغير ،
يعبر الإنسان عن بغيته ، ويفصح عن مشاعره ، به يطلب حاجته ، ويدافع عن نفسه ،
ويعبر عن مكنون قلبه ، يحادث جليسه ، ويؤانس رفيقه ، هذا اللسان قد يكون سبباً في
السقوط والدنو ، أو الرفعة والعلو ..
إن
الكلمة في الإسلام ليست مجرد ألفاظٍ ينطق بها الإنسان دون مراعاة لتبعاتها ، بل إن
الانضباط في الكلمة من سمات المؤمنين الصادقين .. قال تعالى [ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ] المؤمنون
: 1 – 3
المؤمنون الصادقون ، الفائزون المفلحون ، ينــزهون
ألسنتهم وأسماعهم عن الباطل والساقط ، واللهو والهزل ، وما يخل بالمروءة وآداب الإسلام ،
من الأقوال أو الأفعــــــال .. قال تعالى
عن عباده المؤمنين [ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ
عَنْهُ ... ] القصص : 55
وقال عن عباد الرحمن [ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامَاً ]
الفرقان : 72
..
فالمؤمنون الصادقون ينزهون أسماعهم عن اللغو
، وكذلك ينزهون أقوالهم عن اللغو ، فلا يقولون إلا القول السديد المستقيم الصادق
الصحيح ، كما أمرهم ربهم جل وعلا حيث قال [
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا
قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ] الأحزاب : 70 ، 71 ..
إن الله عز وجل أمر عباده أن يقولوا القول
الأحسن ، وليس الحسن ، بل الأحسن فقال [ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ
عَدُوًّا مُبِينًا ] الإسراء : 53 .. أي يقولوا في كلامهم ومحاورتهم الكلام الأحسن
، ينتقوا أحسن الأقوال وأطيب الكلمات .. فإن لم يفعلوا ذلك فـ [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ]
أي يفسد بينهم ، يتربص بهم ، يتلمس السقطات التي تقع من أفواههم ، والعثرات التي
تنطق بها ألسنتهم ، لكي يشيع الشر بينهم ، ويبذر بذور الشر والبغضاء في صفوفهم ،
ويستثير أعداءهم عليهم .. [ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا
مُبِينًا ] ...
الكلمة الحسنة الطيبة ، والكلمة السيئة
الخبيثة ، مخرجهما واحد ، يتفقان في المخرج ، ويستويان في مكان النطق بهما ، لكنهما لا يستويان في ذاتهما وحقيقتهما ، ولا في
الآثار التي تترتب عليهما ، قال تعالى [ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ]
فصلت : 34 ..
فالكلمة الطيبة جميلة نافعة مفيدة في جميع
أحوالها ، مثلها كشجرة طيبة أصلها ثابت راسخ قوي ، وفرعها شامخ في السماء ، ينتفع
الناس من ثمارها في كل حين .
أما
الكلمة الخبيثة فهي قبيحة نتنة مؤذية مضرة ، مثلها كشجرة خبيثة ليس لها أصل ولا
فرع ولا استقرار ولا ثبات على الأرض ..
قال تعالى [ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ] إبراهيم : 24 – 26
الكلمة يا عباد الله شأنها عظيم ، فلربما
كانت سبب الرضوان أو كانت سبب الحرمان ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم –
(( إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ،
لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ
)) رواه البخاري وقال
– صلى الله عليه وسلم – (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا
يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ )) رواه البخاري
ولما سئل – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما
يدخل الجنة قال (( التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ )) ولما
سئل عن أكثر ما يدخل النار قال (( الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ،
وَالْفَرْجُ ))
رواه ابن ماجة وحسنه الألباني . لذلك قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( مَنْ ضَمِنَ لِي مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ضَمِنْتُ لَهُ الْجَنَّةَ )) رواه الترمذي والبيهقي .
فدل ذلك على أن اللسان والفرج من أعظم ما
ابتلي به الإنسان ، وأن من وقي شرهما فقد وقي أعظم الشر ..
قال عقبة بن عامر : يا رسول الله .. ما
النجاة ؟ قال (( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ
)) رواه الترمذي
وعندما دل النبي – صلى
الله عليه وسلم – معاذ بن جبل – رضي
الله عنه – على خصال الخير ، دله على شهادة التوحيد ، والصلاة
، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة , وقيام الليل , والجهاد ، ثم قال لمعاذ (( أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ
ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ )) قال : بلى ، فأخذ بلسانه فقال (( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ))
فقال : يا رسول الله ! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال (( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا
مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ ؟ )) رواه الترمذي وغيره
إن في اللسان آفتين خطيرتين ، لو تخلص المرء
من أحدهما لم يتخلص من الأخرى ؛ آفة السكوت ، وآفة الكلام ، قد يكون كل منهما أعظم
من الأخرى في وقت من الأوقات ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، وكذلك الذي يتكلم
بالباطل شيطان ناطق ، فينبغي على المرء ألا يتكلم إلا بالحق والخير ، وأن يسكت عن
الباطل والشر .. قال – صلى الله عليه وسلم –
(( مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فليقُلْ خيراً أو ليصمُتْ ))
متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ اللهَ كرِهَ لَكُمْ
قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤال ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ))
رواه أحمد
إن من العجيب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز
من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والنظر للمحرم ، وغير
ذلك .. ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه !! حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد
والعبادة والعلم ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً يزل بالواحدة
منها أبعد مما بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ..
ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول !!
الكلمة يا عباد الله شأنها عظيم ..
المرء يدخل الإسلام بكلمة ؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
لو أتى كافر بشعائر الإسلام وعباداته ، من صلاة وزكاة وصيام وحج
وغيرها ، ولم ينطق بهذه الكلمة ؛ لا يكون مسلماً ، ولا يعد مسلماً إلا إذا نطق بها
..
لو فعل مسلم بعض أفعال الكفر وشعائره ، أو قال قول كفر .. لا نحكم
عليه بالكفر حتى نتبين مراده عن طريق استجوابه وإجابته بالكلام ، لأنه ربما يكون
هناك بعد خفي ، ربما يكون معذوراً ، ربما يكون مكرهاً ...
إن أصل البدع والضلالات ، وأساس الكفر والشرك بالله ؛ هو كلمة تقال
على الله بغير علم ؛ يتكلم المرء في دين الله بغير علم فيبتدع ويخترع ما لم ينزل
الله به سلطاناً ولا دليلاً ، فيضل عن سبيل الله والعياذ بالله ، يتكلم الكافر عن
الله بغير علم فيشرك معه غيره والعياذ بالله .. وهكذا ، قال الله تعالى [ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ] الأعراف : 33
الكلمة يا عباد الله شأنها عظيم .. رب كلمة يقولها المرء لا يلقي لها
بالاً يهوي بها في جهنم والعياذ بالله ..
القذف .. رمي المحصنات واتهامهن في أعراضهن ، ما هو
إلا كلمة أو كلمات ، إذا نطق بها المرء استوجب العقوبة ما لم يأت بأربعة شهداء ،
كما حكم الله جل وعلا [ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ
لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ] النور : 4
اللعن .. ما هو إلا كلمة ، أو ربما كلمات يدعو بها الإنسان على شيء بالطرد
والإبعاد عن رحمة الله .. لو لعن المرء شيئاً لا يستحق اللعنة خسر خسارة عظيمة ،
قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ
شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه مسلم
وقال – صلى
الله عليه وسلم – (( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا
لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
دُونَهَا ، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ، ثُمَّ
تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً ، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي
لُعِنَ ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا )) رواه أبو داود وحسنه الألباني
الغيبة .. ما هي إلا كلمة .. أو ربما كلمات ، يذكر المرء بها أخاه بما يكره
في غيابه ، فكأنه أكل لحم أخيه ميتاً والعياذ بالله .. قال تعالى [ وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ] الحجرات : 12
النميمة .. ما هي إلا كلمة أو ربما كلمات ، يقولها الإنسان ، يوقع بها
العداوة والبغضاء بين الناس ، ويفسد ذات بينهم ، فيحرم بسبب ذلك من دخول الجنة
والعياذ بالله ، قال – صلى
الله عليه وسلم – (( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
نَمَّامٌ )) رواه
مسلم
الكذب .. ذاك الخلق الرذيل ، ما هو إلا كلمة أو كلمات لو تحراها العبد
لكتب عند الله كذاباً ، تصير صفته عند الله إذا ذكر في الملأ الأعلى فلان الكذاب
والعياذ بالله .. قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ
فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
كَذَّابًا )) رواه
البخاري ومسلم
كل هذه كلمات ربما يقولها الإنسان لا يلقى لها بالاً ، يهوي بالواحدة
منها في نار جهنم والعياذ بالله ..
فاحذر أيها المسلم .. واحرص على الكلمة الطيبة ، وإياك والكلمة
الخبيثة .. إياك أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، له الحمد الحسن ، والثناء الجميل ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحد لا شريك له ، يقول الحق وهو يهدي السبيل ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
إن من الكلام المذموم .. المراء والجدال
والخصومة ، لما فيه من إضاعة الوقت والجهد ، ولأنه يورث الغل ويولد الحقد ..
قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ
هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ ))
رواه الترمذي وغيره
وحسنه الألباني .
وقال – صلى
الله عليه وسلم – (( إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ
إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) متفق عليه
هذا الذي يشتد في الخصومة والجدال ، يتعصب
لرأيه ويتمسك به ، يجادل بالباطل ليدحض به الحق .. هذا أبغض الرجال إلى الله
والعياذ بالله .
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله : إذا أراد الله بقوم سوءاً منحهم
الجدل ومنعهم العمل .
إن المراء والجدال له آثار سلبية كثيرة ،
عمت البلوى باثنين منها في زماننا ، ألا وهما : سوء الخلق ، والإفساد بين الناس ..
كم ساءت الأخلاق ، وتعودت الألسن على سيء
الألفاظ وقبيحها ، بسبب التعصب للآراء والأهواء ؟
كم تقاطع إخوة وتهاجروا وتخاصموا بعد أن
كانوا متحابين متوادين ، بسبب الجدال والتمسك بالرأي والتعصب للهوى ؟
ألا
فليتق الله هؤلاء المتخاصمون المتهاجرون ..
قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ
أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ
هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ
)) متفق عليه واللفظ
لمسلم .
وقال – صلى
الله عليه وسلم – (( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ
أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ
النَّارَ )) رواه أبو داود .
وقال – صلى الله عليه وسلم – (( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ
وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ
رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ
حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ
حَتَّى يَصْطَلِحَا )) رواه
مسلم .
ألا فاتقوا الله أيها المتقاطعون المتهاجرون
المتخاصمون .. اتقوا الله أيها المتشاحنون وأصلحوا ذات بينكم ، كونوا عوناً
لإخوانكم وأنفسكم على الشيطان ، ولا تكونوا عوناً للشيطان على أنفسكم وإخوانكم ..
يا من ساء خلقه ، يا من ضاعت مروءته فصار
لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات .. اتق الله ، قل خيراً وإلا فاسكت ..
لا علم علمت ، ولا ذكر أديت ، ولا قرآن تلوت
، ولا أمراً بمعروف أمرت ، ولا نهياً عن منكر نهيت ، ولا إلى إصلاح ذات بين سعيت
.. فلماذا تتكلم ؟! اسكت يرحمك الله ، وإن تكلمت فلا تقولن إلا خيراً ، انتق أطيب
الكلام وأعذبه ..
قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفَاً
يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، قِيلَ لِمَنْ
هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : هِيَ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَطَابَ الْكَلَامَ
، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ
)) رواه أحمد وابن حبان
.
ثواب عظيم أعده الله لمن أطاب كلامه وقال
للناس حسناً ، فاحذر أيها المسلم أن تضيع على نفسك هذا الثواب العظيم .
قال النبي – صلى
الله عليه وسلم – (( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ
إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا ))
رواه الترمذي .
أخي الحبيب .. ناقش ، جادل ، تحاور ، تناظر
.. لكن إياك أن تغامر بقربك من حبيبك محمد – صلى
الله عليه وسلم – يوم القيامة .. احذر أن تضيع على نفسك
هذه المنزلة العظيمة ، وهذا القرب من النبي – صلى
الله عليه وسلم – في الآخرة بسبب سبك لفلان أو شتمك لعلان
أو غيبتك لهذا أو وقيعتك بين هذين .. احذر أخي الحبيب ..
فليكن من نفسك على نفسك رقيب ، وسل نفسك قبل
أن تنطق بالكلمة : هل هي في صحيفة حسناتك أم سيئاتك ؟
قبل أن تنطق بالكلمة سل نفسك : أيسرك أن
تلقى الله بها يوم القيامة ؟
فإن كلامك مكتوب ، وقولك محسوب ..
قال الله تعالى [ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ]
الانفطار 10 : 12 .
وقال تعالى [ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ]
ق 18 .
وقال تعالى [ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا
أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ] الكهف 49 .
أخي الحبيب .. زن كلماتك قبل أن تنطق بها ،
وسل نفسك أيسرك أنك قائلها ؟ أيسرك أن تلقى الله بها يوم القيامة ؟ فإن كان يسرك
ذلك فقلها ، وإلا فأمسك عليك لسانك .
كلماتك هل تتخيلها
أملاك الرحمة ينقلها ؟
والصحف اليمنى تحملها ؟
أيسرك أنك قائلها ؟
قلها شذرات من ذهب
زنها بالذوق وبالأدب
حسبك أن تنطق كلمات
يحفظها الله ويقبلها
كلماتك أخلاق تظهر
وكلامك عنوانك فانظر
في ذاتك كيف ستبديها
في أي مقام تجعلها ..
اللهم اهدنا لأحسن الأحوال والأخلاق لا يهدي
لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .. اللهم حسن
أخلاقنا ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق